نظريّة الدروع البشريّة وإبادة لبنان مرفوضة


إنّ استخدام مجموعة من الناس، سواء أكانوا مدنيين أو عسكريين، بهدف حماية منشآت حساسة في وقت الحرب (مراكز عسكرية، أو منشآت إستراتيجية، أو سدود، أو جسور…)، وذلك بنشرهم حولها لوضع العدو أمام حرج أخلاقي يمنعه من استهداف المنشآت المراد حمايتها هي ما بات يعرف بنظريّة الدروع البشريّة.
أمّا الدرع التقليدية فلها من المناعة ما يَردّ ضربة العدو ويَتكسر عليه سيفه، وهذه كانت من أبرز أدوات الدفاع في الحروب. أما الدرع البشرية فالمانع من ضربها أخلاقي صرف.

◦ نظرة تاريخيّة
الدروع البشرية قديمة قدم الحروب، وقدم المواقف غير الأخلاقية فيها، لكنَّ أقدم وقائع عسكرية ذُكرت فيها تعود للقرن الـ18، فقد استخدمت القوات البريطانية-الأميركية بعض اليسوعيين -الذين كانوا أسرى لديها- دروعا بشرية في هجومها على قلعة “شامبيلي” الخاضعة للجيش الفرنسي في منطقة كبيبك في كتدا.
ومع تقدم القوات المهاجمة امتنعت الحامية الفرنسية في “شامبيلي” عن إطلاق النار، واكتفت القوات الأميركية-البريطانية بضرب حصار على القلعة لتبدأ مفاوضات تنتهي بمغادرة آخر جندي فرنسي لأميركا الشمالية في أواخر 1760.

◦ نظرة قانونيّة
يمنع البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف (المادة7) منعا كليا استخدام الدروع البشرية خاصة الأسرى، كما أن اتفاقية جنيف لعام 1929 تُلزم الطرف المسيطر على الجبهة بإخلاء أسراه في أسرع وقت ممكن وإبعادهم عن جبهات القتال، ومن ضمن الأسباب الكامنة وراء هذا الإلزام الخوف من استخدام الأسرى دروعا بشرية.
يفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح أنْ تُميز -في كل وقت- بين المدنيين والعسكريين، وبين المشاركين في القتال وغيرهم، ومن هذا المنطلق يَفرض القانون الدولي حماية الأسرى والمصابين لأنَّهم لم يعودوا طرفا في القتال.

◦ نظرة أخلاقيّة
لكلّ مهنة في العالم أخلاقيّاتها. وهذا رصيد يدرّس في الجامعات. والانضواء في الجيش يعتبر مهنة من أنزه المهن الوطنيّة، الواجب الأول فيها هو الدفاع عن الوطن، والحفاظ على أمنه وسلمه إن كان في النزاعات الداخليّة منعًا لانزلاق أطاف النزاع نحو الحرب الاهليّة؛ أم في النزاعات الحدودية مع دول الجوار، التي من الممكن أن تتطوّر لتصبح حروبًا جارفةً. ترتب الدروع البشرية إشكالا أخلاقيا بالنسبة لكل أطراف الحرب؛ ففي المحصلة يتم تعريض أرواح بشرية للإزهاق مقابل مكاسب عسكرية أو إستراتيجية، فالمسؤولية الكبرى تقع على عاتق مَن يتخذ من أرواح الناس -مدنيين وأسرى- سلاحًا في تضارب صارخ مع نبل العسكرية وقيم الإيثار والتضحية القائمة عليها. وثبّتت تجارب التاريخ أنّ هذه العادة لا تلجأ إليها إلا الأنظمة الاستبدادية أو العنصريّة المتعودة على امتهان الكرامة البشرية، أو المنظمات الارهابيّة وتسترخص حياة الناس. وذلك لسببين اثنين: إمّا لتجعل منها ورقة تفاوضيّة غالية جدًّا، وإمّا لتجعل منها مادّة إعلاميّةً لتستدرّ عطف الرأي العام العالمي فتقلبه من مناهضٍ إلى مؤيّدٍ لها.

◦ ما بين الممانعة وإسرائيل
دأب الاحتلال الإسرائيلي على استخدام الفلسطينيين دروعًا بشرية خلال المواجهات مع الشبان في نوبات التوتر والانتفاضة، وكذلك في المواجهات المسلحة مع المقاومة الفلسطينية. ووثقت كاميرات الإعلام الدولي أكثر من مرة مشاهد فظيعة يَسير فيها جنود الاحتلال متمترسين خلف شبان وأحيانا مراهقين فلسطينيين.
ففي مجزرة قانا الأولى في 18 نيسان 1996، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف مقر مركز قيادة فيجي التابع لقوات اليونيفل في قرية قانا جنوب لبنان، بعد لجوء المدنيين إليه هربا من عملية عناقيد الغضب التي شنتها إسرائيل على لبنان، أدى قصف المقر إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة الكثير بجروح. وقد اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل ولكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض الفيتو.
وفي رواية العدو الاسرائيلي أنّ عناصر من منظمة حزب الله قد لجؤوا مع الاهالي إلى المقرّ ، بعد تنفيذهم عمليات على قوات العدو.
وفي مجزرة قانا 2006 أو مجزرة قانا الثانية التي حدثت في 30-7-2006 أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، حيث قامت اسرائيل بقصف البلدة بحجة أنها كانت منصة لاستخدام الصواريخ التي كانت تطلق على إسرائيل من حزب الله خلال عملية الصيف الساخن في لبنان. وسقط جراءها حوالي 55 شخصًا، عدد كبير منهم من الأطفال الصغار الذين كانوا في مبنى مكون من ثلاث طبقات في بلدة قانا حيث انتشلت جثة 27 طفلاً من بين الضحايا الذين لجؤوا إلى البلدة بعد أن نزحوا من قرى مجاورة تتعرض للقصف. إضافة إلى سكان المبنى.
وأكد حزب الله أن المبنى لم يكن فيه مقاتلين من تنظيمه وأن جلّ مَن قتلوا هم من النساء والأطفال والشيوخ، فيما حمّلت إسرائيل على لسان الناطق باسم الجيش المسؤولية لحزب الله وقتذاك. وهي التهمة نفسها التي يُوجهها دائما للمقاومة الفلسطينية.

◦ الناس يريدون الحياة
زجّ الناس الأبرياء في الحروب من قبل الأطراف كافّة هو مبدأ غير أخلاقيٍّ مرفوض. فكيف بالحري إذا كان الدرع البشري هو شعب بأكمله ! وما يؤلم كثيرًا أنّ هذا الشعب، أي الفلسطيني الغزّاوي، يتمّ استخدامه درعًا بشريًّا من قبل محور الممانعة خدمةً للمشروع الجيو- إقتصادي التوسّعي الكبير الذي تسعى إليه الجمهوريّة الاسلاميّة قي إيران. حيث لم يعد خافيًا على أحد أنّ تفجير الصراع الحمساوي – الاسرائيلي أتى كنتيجة أو كردّ فعل على الحصار الجيو- إقتصادي الكبير الذي نجح الغرب بوضع إيران تحت مفاعيله، وذلك تجلى بالاتّفاقيّات الابراهيميّة التي وصلت في ليلةٍ ليلاء إلى الحدود الإماراتية الايرانية والبحرينية الايرانية، وكانت على وشك الوصول إلى حدود المملكة العربية السعودية وإيران. مع وجود إمكانية لحلّ القضيّة الفلسطينية، بحسب رؤية الأمير محمد بن سلمان الاقتصاديّة، التي كان من المفترَض أن تتوّج باتّفاق التطبيع مع إسرائيل، لفتح طريق مشروع بهارات، الوافد من بلاد الهند إلى أوروبا، عبر المملكة السعودية والأردنية وإسرائيل.
هذا القرار التدميري الذي اتّخذته إيران حرم الفلسطينيّون حقّهم في الحياة، وجعل منهم دروعًا بشريّة لم تتوانَ إسرائيل، المشهود بإجرامها، عن قتلهم؛ ولا سيّما بعدما نجح إعلامها بتدعيش المقاومة الفلسطينيّة، بعد عملية ٧ أوكتوبر. فباتت حربها مع حماس حرب حياة أو موت. والبقاء فيها سيكون للأقدر وليس للأحقّ.

◦ منظمة حزب الله ولبنان كلّه والعدو الاسرائيلي
أمّا في لبنان، وبما أنّ المشغِّل واحد، والفكر واحد، والتخطيط والمخطّط هو نفسه، فلن نقبل كلبنانيين أحرارًا أن نؤخذ كلّنا دروعًا بشريّة خدمة لمشروعٍ لا يمتّ لكِيانيّتنا اللبنانيّة بأسّ صلة.فاستخدام القرى اللبنانيّة الحدوديّة، وبالتحديد بيوت المدنيين فيها، منصّات لرمي صواريخ لحزب الله، هو أمر مرفوض. وتكسير وحرق أرزاق الناس العزّل بحجّة التظاهر ضدّ السفارة الأميركيّة هو أمر مرفوض أيضًا. ولا يمكن لمَن يتحصّن تحت الأرض أن يجعل من لبنان كلّه درعًا بشريًّا لإيران. هذه النظريّة ما عادت تنطلي إلا على الممانعين، ولسنا منهم، ونرفض أن نُزَجَّ في حروبهم.
بالنّسبة إلينا، الجيش اللبناني وحده له الحقّ بقرار الحرب والسلم. ولن نقبل بأن نتحوّل إلى حطب لمشاريع إيران التوسّعيّة، ولا إلى وقود لمشروع منظمة حزب الله بالسيطرة. لذلك، نطالب كلّ السياسيين الأحرار، مع فعاليّات المجتمع المدني التي تداعت إلى حقّ اللبنانيين في العيش الكريم في ذلك اليوم من ١٧ تشرين و ١٤ آذار ، أن يطالبوا الأمم المتّحدة بإعلان حياد دولة لبنان، أو على الأقلّ بتطبيق الحياد في المناطق التي لا تتواجد فيها منظمة حزب الله. وعندها مَن يريد أن يحترق لتعيش إيران ومشاريعها فليحترق وحده. نحن قوم نريد الحياة، ولا نرغب بالموت للموت، وفداءً للموتى الذين يدّعون الحياة في السراديب. ومَن له أذنان للسماع … فليسمع.

Please follow and like us:

نظريّة الدروع البشريّة وإبادة لبنان مرفوضة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp