بين مَن يعمل مِن أجْلِ لبنان ولأجَلِه

بين مَن يعمل مِن أجْلِ لبنان ولأجَلِه

كولونا في بيروت اليوم للبحث في كيفيّة استثمار ما نجحت به التكتلات السياديّة اللبنانيّة في عمليّة التمديد لرؤساء الأجهزة الأمنية، حيث انتقل الحديث اليوم إلى إمكان استكمال هذا التقاطع السيادي المعارضاتي في موضوع رئاسة الجمهوريّة. مقابل استمرار فريق إيران في لبنان بضرب مصداقيّة ما توصّل إليه الفريق المعارض باستحضار تهم الولاء السفاراتي للغرب والشرق على السواء. فهل ينجح فريق إيران في لبنان بتعطيل المسار السيادي الذي انتصر في معركة استمرار الدّولة وإسقاط الدّويلة؟ أم سيسقط فريق إيران نجاح المعارضة باستمراره في رهن القضيّة اللبنانيّة على مذبح الحرب الجيو – إقتصاديّة؟

لا يألو فريق إيران أي جهد في عمليّة الاغتيال المعنوي التي يستمرّ بتنفيذ فصولها بحقّ معارضيه، وذلك لتعذّر ممارسة الاغتيال الجسدي في هذه المرحلة الدّقيقة التي وضغ فيها لبنان تحت المجهر الدّولي، نتيجة سياساته وارتهاناته الدّوليّة. ففي هذا السياق جنّد إعلامه الأصفر للتسويق لمبدأ الارتهان للسفارات الذي يتّهم فيه القوى المعارِضة لسياساته، فيما هو الأوّل الذي يعلن التزامه بالأجندة الايرانيّة والسوريّة على السواء. فأمين عام منظمة حزب الله يجاهر بذلك علنًا في إطلالاته كلّها، وحليفه البرتقالي يجاهر أيضًا كون جنديّ صغير في جيش حافظ الأسد. والاثنان يتسابقان في الولاء لسفاراتيهما. وما بينهما عملائهما للعدو الاسرائيلي الذين تغصّ بهم السجون، ومنهم مَن يتمّ إخراجهم نتيجة لصفقات حتّى لو كانت على حساب دماء شهداء تفجيرهم وسفاراتهم لمرفأ بيروت في ذلك اليوم الأسود، الرابع من آب 2020.

ونتيجة لهذا الانتماء الفاقع، يستمرّ هذا الفريق بتعطيل أبسط قواعد العمل الديمقراطي في لبنان بممارسة قواعد الديمقراطية التعطيليّة التي أرسى أسسها منذ تمّ بلورة فريق 14 آذار في العام 2005 الذي اتّخذ على عاتقه مواجهته. ولعلّ أكثر ما يخشاه هذا الفريق هو إعادة إنتاج فريق سياسي – سيادي على القاعدة ال 14 آذاريّة، لأنّ ذلك وحده كفيل بإسقاطه بالضربة القاضية السياسيّة. لذلك استشاط غضبًا بعد عمليّة التمديد لرؤساء الأجهزة الأمنيّة التي ظهّرت مرّة جديدة أنّ روحيّة هذا الفريق لا زالت موجودة.

وأهمّيّة ما جرى تؤكّد أنّ هذا الفريق الذي نتَجَ عن تقاطع في المصلحة السياديّة قد أسقط قدرة التعطيل التي نجح فيها فريق إيران في لبنان. وأمام عجز هذا الفريق عن استخدام آلة القتل لترهيب الذين تكتّلوا حول المصلحة الوطنيّة في التجديد لقائد الجيش ولرؤساء الأجهزة الأمنيّة، باعتقادي سيلجأ إلى رفع سقف تقديماته على المسرح الدّولي، لأنّه يدرك تمام الإدراك أنّ ما يقوم به على الجبهة الجنوبيّة لم يؤتِ أيّ ثمار في الحرب الدّائرة على الشعب الفلسطيني. وهو يعلم جيّدًا أنّ دخوله في هذا الصّراع سيحتّم ردّ فعل إسرائيلي على مقارّه في لبنان، وبالوتيرة نفسها التي تمّ فيها ضرب حركة حماس. وذلك لإجباره على تنفيذ الجزء المفيد لإسرائيل من القرار 1701 بالقوّة العسكريّة.

أمام هذا الاحتمال، تبدو القوّة الديبلوماسيّة أقلّ ضررًا ميدانيًّا على هذا الفريق. لذلك، من الاحتمال أن يرفع سقف تقديماته ليدخل في المسار الديبلوماسي بهدف تطبيق الجزء المفيد من القرار 1701. ولكنّه سيعمل على خلق جزء مفيد آخر من هذا القرار ليستخدمه في الدّاخل سياسيًّا. ولن يتمكّن هذا الفريق من الاستمرار برهن القضيّة اللبنانيّة على مذبح المصالح الجيو -إقتصاديّة الكبرى، لأنّه بكلّ بساطة قد سبق له أن وقّع اتّفاق السلام الصامت في 27 تشرين الأوّل 2022. وما سيقوم به مبنيّ على استكمال هذا المسار.

من هذا المنطلق، سيعمل بطريقة تكتيّة في الجنوب حتّى تمرّ غيوم غزّة بخير. ولا يُعتَقَدُ أنّ هذه المرحلة قد تنتهي قبل نهاية شهر شباط 2024 بحسب ما يتمّ تداوله في الأوساط الدّوليّة. وما يؤكّد هذه النّظريّة هو استمرار الدّعم الدّولي للاسرائيلي حتّى الساعة والذي لا يبدو المجتمع الدّولي متأثّرًا بالحراك الذي يناصر الفلسطينيين وحقوقهم برغم فداحة الاجرام الاسرائيلي على غزّة وأهلها. فضلًا عن اقتصار التأييد العربي للشعب الفلسطيني وللسلطة الفلسطينيّة، وليس لحركة حماس؛ بحسب ما صدر في البند رقم 28 من قمّة الرياض الأخيرة الذي أكّد ” أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعا الفصائل والقوى الفلسطينية للتوحد تحت مظلتها، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته في ظل شراكة وطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.”
وهذا ما يؤكّد أكثر أنّ الرئاسة في لبنان ستبقى في ثلاجة الانتظار الميداني إلى ما بعد غزّة، أيّ إلى ما بعد شهر شباط 2024، مع عدم الاغفال أنّ كلّ شيء سيبقى رهنًا بالتطوّرات الميدانيّة التي لا يبدو حتّى الساعة أنّها ستكون لصالح مشروع حركة حماس وحلفائها في المنطقة. يبقى أنّ هذا الفريق ينتظر أجَلَ لبنان الذي يعمل جاهدًا لتحقيقه خدمةً لمشروعه. فهل يؤمّن الانتقال إلى الديبلوماسي لمشروع هؤلاء كلّهم ما لم يستطع أن يؤمّنه لهم الميدان العسكري؟

Please follow and like us:
بين مَن يعمل مِن أجْلِ لبنان ولأجَلِه

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp