هل تبدّلت الأولويات الدّوليّة؟

هل تبدّلت الأولويات الدّوليّة؟

◦ عندما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا سقط الاتّفاق النووي الاميركي – الايراني؛ وكي لا نُغالي، منطقة الشرق الاوسط لم تعد على سلّم الاولويّات الدوليّة. ولكن محاولة الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، السير قُدُمًا في عمليّة التطبيع؛ أو ما بات يعرف باتّفاقيات السلام الثنائيّة عاد وحرّك المياه الشرق – أوسطيّة الرّاكدة.

◦ فضلًا عن قمة العشرين G20 التي انعقدت في العاصمة الهنديّة ، والتي رسمت الخارطة الحيو- إقتصاديّة للمنطقة عبر مشروع طريق بهارات، ما دفع نظام الملالي الى عمليّة خلط للأوراق الدوليّة عبر عملية نفّذتها ذراعه العسكرية في فلسطين المحتلة. أي حركة حماس، في ما عرف بعملية طوفان الاقصى، وما استدعته من ردّ إجراميٍّ من قبل العدو الاسرائيلي شكّل عمليّة إبادة للشعب الفلسطيني – الغزّاوي. زد على ذلك الاضطهاد الذي تزامن معها لفلسطينيّي الضفّة. وما استدعى ذلك من مواكبات عسكريّة لهذه الحرب عبر جبهة جنوب لبنان بالذراع الايرانية العسكرية هناك، أي منظمة حزب الله اللبنانية مع كلّ الفصائل الفلسطينية العاملة في كنفها، عملًا بمبدأ وحدة الساحات الذي تمّ إطلاقه في الزيارة التنسيقية الاولى في أيلول المنصرم إلى ضاحية بيروت الجنوبيّة.

◦ أمام هذه المستجدّات عاد الحديث عن كيفيّة ضبط الساحة اللبنانيّة كي لا تصبح المواجهة مواجهةً إقليميّةً مفتوحةً. ولأنّ ما يحدث على الجبهة الجنوبيّة هو نتيجة لغياب السيادة اللبنانيّة على ١٠٤٥٢ كم٢، ولأنّ قرار الحرب والسلم ليس بيد الحكومة اللبنانيّة على حدّ ما صرّح رئيسها، ولأن السلطة السياسيّة معطّلة بوهج السلاح غير الشرعي، والرئاسة فارغة، والصراع على أشدّه حول تفريغ المؤسسات، ولاسيّما الأمنيّة، من قياداتها تحت ذرائع الحفاظ على دستوريّة المؤسسات الرسميّة، فيما الحقيقة تكمن في مكان آخر، ليس أقلّه الحسابات الشخصيّة الضيّقة، ولو على حساب المصلحة الوطنيّة الوجوديّة.

◦ أمام ذلك كلّه لم يعد لدى اللبنانيين سوى إعادة ترتيب أولويّاتهم السياديّة بدءًا بالعمل على استرجاع السيادة من بوابة القرار ١٧٠١؛ وفي هذا السياق يبدو المومنتوم الدولي الذي استجدّ بعد السابع من أكتوبر مناسبًا، لأنّ تطبيق هذا القرار صار مصلحةً دوليّةً ولم يعد فقط مصلحة لبنانيّة فحسب. يبقى العمل للوصول إلى تنفيذ هذا القرار. وهذا ما يبدو حتى الساعة متعذّرًا لأنّ الأولويّات المحلّيّة لا زالت هي هي لم تتبدّل حتّى الساعة.

◦ فالحفاظ على استقرار المؤسسات الأمنيّة ورئاسة الجمهوريّة في هذه المرحلة مهمّ جدًّا. لكن بين المهمّ والأهمّ باعتقادي يجب اختيار الأهمّ. ولا يبدو راهنًا أيّ شيء أهمّ من استعادة سيادة الدولة عبر تنفيذ القرار ١٧٠١. وبعدها يُصار الى العمل وفاقًا للأجندة السياديّة الآن. فأيّ رئيس باستمرار هيمنة منظمة حزب الله واستئثارها بالقرار السياسي، مع هيمنة على المجلس النيابي، وقدرة تعطيليّة بممارسة الديمقراطيّة التعطيلية التي دأب عليها منذ العام ٢٠٠٨، لن يؤتي بأي ثمار سياسيّة سياديّة. بل على العكس سيعطي المتظمة قدرة تفاوضيّة جديدة من بوابة ال ١٧٠١ الدولية، ما سيسمح لها بتسييل تنازلاتها سياسيًّا، أو ربّما نفطيًّا، لشرعنة مصدر جديد لتمويلها من جديد.

◦ ولمواجهة هذا الاحتمال الذي قد تنجح التقيّة الصفويّة الايرانيّة – اللبنانيّة بانتزاعه من المجتمع الدولي، لا يوجد سوى وسيلة واحدة تكمن بإعادة إنتاج قرنة شهوان part 2، فالظروف والقرائن السياسيّة متشابهة، ولا أعتقد أنّ الذين رفضوا استكمال تطبيق ال ١٥٥٩ بعد ٢٦ نيسان ٢٠٠٥ تحت ذريعة لبننة منظمة حزب الله، قد يرفضون اليوم تطبيق ال ١٧٠١ لأنّ الوقائع التي تلت تلك المرحلة قد انتزعت مكتسبات هؤلاء كلّها، لصالح فريق إيران في لبنان، وعلى حساب انفراط عقد الدولة.

◦ وعندما نتحدّث عن قرنة شهوان جديدة نعني هنا بالتحديد استرجاع المسار نفسه الذي أدّى إلى نشوء حركة ١٤ آذار. وهذا ما قد ينتج عنه اتّساع مروحة الفريق السيادي تحت عباءة بكركي ورعايتها لأنّها الأمينة مع مَن يريد مواكبتها على الحفاظ على إرث الكيانيّة اللبنانيّة. ومَن يريد أن يستقلّ هذا القطار، فهو حتمًا سيعود عودة الابن الضال؛ ومَن يتّخذ قرار مواجهة الخطّ الكياني التاريخي الذي تقوده بكركي والأحرار فهنيئًا له الاحتراق في الأتّون الصفوي الذي لا يشبه التاريخ اللبناني بشيء.

◦ وبعد ذلك تبدأ عملية استيلاد لبنان الجديد الذي لن يكون إلا على قاعدة الوحدة في التنوّع والتنوّع في الوحدة. وذلك في نظام يحترم هذه الخصوصيّة، على القاعدة الاتّحاديّة – الحياديّة كما طالب سيّد بكركي. ومن ماضينا تعلّمنا لنقرأ؛ ونقرأ حاضرنا لنتعلّم للمستقبل.

Please follow and like us:
هل تبدّلت الأولويات الدّوليّة؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp