هل زالت قواعد الاشتباك بين العدوّين الوَدودَين؟

هل زالت قواعد الاشتباك بين العدوّين الوَدودَين؟

كشفت عملية الضاحية الجنوبية التي نفّذها العدوّ الاسرائيلي، في العمق الأمني لمنظّمة حزب الله، زيف الادّعاءات الجبروتيّة لهذه المنظّمة، وقدرتها على المواجهة الميدانيّة لآلة الحرب الاسرائيليّة. فهذه المكابرة كلّها لم تستطع حماية العاروري الشخصيّة التي وضعها العدو على لائحة أهدافه. وهو الذي اتّخذ من العمق الأمني مقرًّا له ظنًّا منه أنّ هذا المكان هو الأكثر أمانًا. لتدحض الوقائع الميدانيّة هذه المقولة بالمطلق.

والسؤال المشروع طرحه يكمن فيما إذا كان العدو الاسرائيلي قادرًا على اختراق هذا العمق، فلماذا لم يخترقه من قبل لينفّذ تهديداته بحقّ أمين عام منظّمة حزب الله؟ وهل ما زال نصرالله في دائرة الأمان؟ وأبعد من ذلك، هذا الحدث يشير بشكل مطلق إلى أنّ لبنان أضحى بلدًا فاقد السيادة، في ظلّ تحكّم منظّمة حزب الله بالسلطة فيه. مع العلم أنّ هذه المنظّمة المتحكّمة مع ثلّة من العملاء النّاكرين لبنانيّتهم، سبق لها وتنازلت عن السيادة اللبنانيّة عندما أهدت العدو الاسرائيلي الخطّ ٢٩؛ وهذا ما لم يستطع أخذه بالحرب، منحته إيّاه عبر اتّفاق السلام الصامت الذي وقّعته منظومتها المافياويّة في ٢٧ اكتوبر ٢٠٢٢ في الناقورة.

وتجدر الاشارة إلى أنّ نصرالله سبق له وهدّد في إحدى خطاباته في 14 نيسان 2023 أنّ اغتيال أيّ شخصيّة تابعة لمحور إيران على الأراضي اللبنانيّة، ومن أي جنسيّة كانت، سيتمّ الردّ بطريقة قاسية جدًّا. وهذا الرّدّ إن لم يحصل في الأيّام القليلة القادمة؛ وباعتقادي لن يحصل، سيثبّت نظريّة أنّ مَن يوقّع اتّفاق السلام لا يدخل في الحروب. وجمهورية مصر والمملكة الاردنية خير شاهدين على ذلك.

ضف على ذلك أنّ حجم الاستهدافات خلال شهر واحد قد أوجعت منظّمة حزب الله بشكل خاص، وصدّعت محور إيران في المنطقة. وهذه الاستهدافات كلّها التي شملت خلية قيادة الرضوان في جنوب لبنان، حيث تمّ استهداف ابن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة بشكل مباشر. إضافة إلى سيارة تضم قيادات في كتائب القسام جنوب لبنان. هذا في العمق اللبناني. ناهيك عن الضربات الجويّة التي طالت مخازن سلاح خاصّة لهذه المنظّمة وآخرها في منطقة حومين التحتا في قضاء النبطيّة. لتأتي غارة الثاني من كانون الثاني 2024 في العمق الأمني لهذه المنظمة، حيث يعتبر العدو الاسرائيلي انّه حقّق صيدًا ثمينًا باغتياله نائب رئيس حركة حماس وقائد الحركة في الضفة الغربية صالح العاروري، بعد استهدف طائرة مسيرة لمكاتب الحركة في الضاحية الجنوبية في بيروت.

والتحق “صالح محمد سليمان خصيب” بعمر مبكر بجماعة الاخوان المسلمين، ثم انضم -حينما كان في بدايات العشرينيات- لكوادر حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد أشهر من انطلاقها عام 1987، وشارك في تأسيس جناح القسام العسكري في الضفة الغربية بين عامي 1991-1992. ولقد أمضى العاروري معظم سنوات سجنه الطويلة ضمن الاعتقالات الإدارية ودون محاكمة لأن “التهم لم تكن تثبت عليه”.

هذا كلّه، يضاف إليه تنفيذ عمليّات اغتيال في سوريا طالت مسؤول الحرس الثوري الإيراني رضا موسي في سوريا، ومجموعة من القادة الميدانيين للفصائل الإيرانية والحرس الثوري في البوكمال قرب العراق، من ضمنها أربع شخصيّات قياديّة لمنظمة حزب الله. من ضمن مسار واحد أعلن عنه رئيس حكومة الحرب الاسرائيلية وهو إسقاط رموز هذه الحركات أينما وجدت.

لقد نجح العدوّ الودود بإسقاط قواعد الاشتباك التي التزم بها منذ العام 2006 مع الذي أظهر له خالص ودّه في اتّفاق السلام الصامت. وعمليّة 2 كانون الثاني أسقطت مقولة الحصن الأمني المنيع الذي تتحصّن فيه قيادات محور إيران من العراق إلى البحرين فاليمن وسوريا وحماس والجهاد الاسلامي. مع العلم أنّ ما لا يمكن إغفاله أنّ نجاح العدوّ الاسرائيلي إنّما هو ناتج عن العمل الاستخباراتي حيث لا يمكن لهكذا عمليّة أن تنجح من دون أن يكون هنالك عملاء داخليّون في عمق بيئة الممانعة. وجمهورها الفصيح يتحفنا في كلّ لحظة بتهم العمالة والتخوين من الأسرلة إلى الأمركة فالصهينة. وهو الواحد الأحد في هذه كلّها.

وسيطلّ أمين عام المنظّمة اليوم في كلمة أقلّ ما يقال فيها أنّها ستكون كلمة هجوميّة، لكنّ مفعولها لن يتعدّى القنبلة الصوتيّة. لأنّ جمهوره عاين بالقول والفعل ردّ فعله بعد اغتيال اسرائيل عماد مغنيّة. كما عاين أيضًا الجمهور عينه ردّ الفعل الايراني بعد اغتيال قاسم سليماني، ومحسن فخري زادا، ورضي الموسوي. ولن يتمكّن من أن يستوعب جمهوره الذي بات كالجمر تحت الرّماد، فأيّ عمل انتقامي لن يرتقي إلى حدّ الأعمال العدائيّة التي يمارسها عدوّه الودود بحقّه.

في المحصّلة، من الأساس لا قواعد اشتباك في العقل الصهيوني. بل مَن يدّعي الالتزام بها ولا يتجرّأ على تخطّيها هو الذي وضع يده بيد الصهيونيّة السياسيّة التي تجسّدها حكومة نتانياهو، بمباركة الضابط الصهيوني عاموس هوكشتين، وتباهى بهذه المصافحات على أنّها انتصار حقّقه لشعبه. فيما هذا الأخير كان يتبختر على رصيف الروشة وبين أعمدة قلعة بعلبكّ مع السفيرة الأميركيّة شيا.

فالمرحلة القادمة لن تكون سهلة على لبنان لأنّه في عمق هذا لصراع. ولن يتمكّن لبنان الدّولة من الخروج من عنق الزجاجة هذه، إلّا بالعودة إلى الدّولة واستعادة انتظامها السياسي المؤسّساتي بدءًا بإيصال رئيس جمهوريّة سيادي وحرّ، لا يلتزم إلّا بالأجندة اللبنانيّة الكِيانيّة. على أن يكون لهذا الرئيس فريق سياسي معالمه بانت في أفق مرحلة التمديد. مع ضرورة تطبيق القرارات الدّوليّة لحماية هذا العهد الجديد المقبلون عليه.

Please follow and like us:
هل زالت قواعد الاشتباك بين العدوّين الوَدودَين؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp