خلفيّات تحرّك الديبلوماسيّة الفرنسيّة

خلفيّات تحرّك الديبلوماسيّة الفرنسيّة

وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه، وسفير فرنسا لدى لبنان هيرفيه غارو، ومديرة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية آن غريو، في السراي الحكومي للبحث مع رئيس حكومة تصريف الاعمال في “المساعي التي تقوم بها فرنسا لإعادة الهدوء الى جنوب لبنان، ووقف العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.مع العلم أنّ الزائرين يعتبرون بأنّ ” أولوية ومسؤوية فرنسا هي الحفاظ على لبنان حيث يتعين على الجميع أن يفعل ما بوسعه ليتحمل واجباته، ولبنان يحتاج إلى إصلاحات كي يخرج من أزماته، ونتفادى أي حرب إقليمية.”

تشاطر لبناني على الديبلوماسيّة الفرنسيّة • 
فيما اعتبر الرئيس ميقاتي “أن المبادرة الفرنسية تشكل إطارًا عمليًّا لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 الذي يتمسّك لبنان بتطبيقه كاملاً، مع المطالبة بالتزام اسرائيل بتنفيذه ووقف عدوانها المدمّر على جنوب لبنان، إضافة إلى دعم الجيش لتمكينه من القيام بمهامه وتحقيق السلام الدائم على الحدود”. كما ناشد رئيس الحكومة فرنسا والدول الأوروبية “دعم لبنان من أجل التوصل إلى حل لأزمة النازحين السوريين”، مشيرًا الى “بداية مقاربة أوروبية جديدة مع اعترافهم بالتحدي الذي تمثّله هذه القضيّة بالنسبة إلى لبنان واستعدادهم للعمل مع السلطات اللبنانية في هذا الشأن”.

وفي ختام زياراته في لبنان، اعتبر سيجورنيه أنّ “الازمة طالت كثيرًا ونتفادى أن تعصف في لبنان حربًا إقليمية وندعو الاطراف كافّة إلى ضبط النفس، ونحن نرفض السيناريو الأسوأ في لبنان وهو الحرب”. وأضاف: “أبلغننا المسؤولين اللبنانيين بضرورة منع التصعيد”. وأشار إلى انه ” لا مصلحة لأحد أن يتوسع الصراع بين حزب الله و”اسرائيل” ويجب أن يُطبق القرار 1701 كاملاً”. وأضاف ان “قوات اليونيفيل تلعب دورا حاسما لتفادي السيناريو الأسوأ وعلى كل الاطراف ان تسمح لليونيفيل بالقيام بمهامها كاملة”. وأكد ان “فرنسا ستستمر بدعم الجيش اللبناني إلى جانب شراكائنا، والعودة للاستقرار تتطلب إعادة انتشاره في الجنوب”. وشدد على ان “لبنان بحاجة إلى إصلاحات وسنواصل العمل على إخراج لبنان من أزمته”. وأعلن أنه “بدون رئيس منتخب لبنان لن يدعى إلى طاولة المفاوضات، ومستمرون بعملنا الدبلوماسي تفاديًا لاشتعال المنطقة”.

مصطلحات الوجوب الديبلوماسيّة •
فخلفيّات تحرّك الديبلوماسيّة الفرنسيّة تقرأ من المصطلحات الديبلوماسيّة التي استخدمها وزير الخارجيّة الفرنسيّة. فباعتباره هدف زيارته لإعادة الهدوء الى جنوب لبنان، ووقف العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في هذا إذعان لما يريده محور إيران. أي ربط الحبّ في لبنان بتهدئة جبهة غزّة. وهذا ما لا يريده معظم اللبنانيّين. كي لا نقول كلّهم. فلا يمكن انتظار الأسوأ للوصول إلى ما نتطلّع إليه في لبنان.
وفي اللغة الديبلوماسيّة الفرنسيّة المهادنة أيضًا نقرأ ثلاثيّة طالب بها الموفد

:الفرنسي مفادها

.على الجميع أن يفعل ما بوسعه ليتحمل واجباته –

.تنفيذ الإصلاحات كي يخرج من أزماته –

.تفادي أي حرب إقليمية –

وفي المطلب الأوّل تبدو الحكومة اللبنانيّة التي هي بحكم تصريف الأعمال مدعوّة إلى القيام بواجياتها تجاه لبنان واللبنانيّين. وبالطبع هذا ما لا تتجرّأ على القيام به من الأساس لأنّ القرار السياسي الذي من المفترض أن يكون مفتاحه في السراي موجود في حارة حريك وخلفها طهران. أمّا الإصلاحات التي أشار إليها الفرنسي فهي الشرط الأساسي للخروج من الأزمات. مع التأكيد على تفادي الدخول في أيّ حرب إقليميّة. وهذه الثلاثيّة مرتبطة بالمفتاح عينه الذي أشرنا إليه. ما يعني عمليًّا على أرض الواقع أنّ ما تطرحه الديبلوماسيّة الفرنسيّة ليس في لبنان.

 التواطؤ الحكومي
وفيما يبدو من رؤية الرّئيس ميقاتي للمبادرة الفرنسيّة المطروحة والتي كما سرّب للإعلام أنّها تتشكّل من 13 بندًا، حيث اعتبر ميقاتي أنّها ممكن أن تشكّل إطارًا لتطبيق القرار 1701. وفي هذا الكلام بالتّحديد، نرى انقلابًا على الشرعيّة الدوليّة من البوابة الفرنسية. إذ أيّ إطار لتطبيق أيّ قرار دولي يعني ” قولبة” هذا القرار وتفريغه من محتواه الحقيقي ومن مفاعيله الجوهريّة. ما ينبئ بتواطؤ حكومي للحفاظ على ستاتيكو الدويتّو ” المنظومة والمنظّمة” في مرحلة ما بعد تطبيق القرار في الاطار الفرنسي.

كما يبدو أيضًا من حديث ميقاتي عن ملفّ النّزوح أنّ تغيّر النّظرة التي كانت سائدة من الأوروبيين إلى هذه الأزمة هو بحدّ ذاته ما قد يعتبره ميقاتي منفذًا سياسيًّا له ليحقّق عبره الخرق الديبلوماسي المرتقب في هذه الأزمة، عسى أن يكون مفتاحًا جديدًا في جيبه للمرحلة القادمة. وهذا ما لن يكون له أو لغيره لأنّ هذه الأزمة ليست للاستثمار السياسي الشخصي. فبنهاية المطاف هذه أزمة تضرب الوجود اللبناني في عمقه.

لكنّ الديبلوماسيّة الفرنسيّة تستخدم مصطلحات الوجوب فتعتبر أنّ القرار 1701 يجب أن يطبّق بالكامل. ما يعني أنّ الفرنسي هو بصدد البحث في كيفيّة تسجيل نقطة ديبلوماسيّة في الساحة الدّوليّة، حيث يعتبر نفسه الضنين بالمصلحة اللبنانيّة، فيما الأميركي هو العراب الدائم والسرمدي للعدوّ الإسرائيلي. ولكنّ ذلك يبقى مرتبطًا بالدرجة الأولى في قدرة الأميركي بالضغط الديبلوماسي – حتّى الساعة – على المشغّل الرئيسي لطرف الصراع اللبناني في القرار، أي منظمة حزب الله. فهذا القرار لن يطبّق بالمعيّة الفرنسيّة وحدها، بل لن يمكن تطبيقه إلّا بنجاح الأميركي بالضغط على الإيراني لفرض أمر واقع جديد في لبنان.

 الميدان هو الفاعل الديبلوماسي •
إلّا أنّ ذلك قد يخرج من يد الفرنسي والأميركي على السواء في حال حدوث أيّ تطوّرات ميدانيّة. وهذا ما يحذّر منه الفرنسي؛ حيث يصرّ على عدم الانزلاق إلى ما قد لا تحمد عقباه. وما تأكيد الديبلوماسيّة الفرنسيّة على الاستمرار في دعم الجيش اللبناني واعتباره شريكًا مع المجتمع الدّولي إلّا جرعة أمل تقرأ من بوابة الثقة المطلقة بقيادة هذا الجيش. وما إشارته إلى أنّ عودة الاستقرار تتطلب إعادة انتشار الجيش في الجنوب إلّا جرعة أمل إضافيّة أنّ الحلّ لما يدون من أحداث لن يكون إلّا عبر الجيش اللبناني من دون شريك.

ولعلّ أهمّ ما جاء في خطاب الديبلوماسيّة الفرنسيّة هو رفض وجود لبنان على أيّ طاولة مفاوضات بدون رئيس منتخَب. هذا الموقف يؤكّد من جديد عزم الديبلوماسيّة الدوليّة من البوّابة الفرنسيّة الوصول إلى حلّ يبدأ من انتخاب رئيس الجمهوريّة، مع دعم مؤكّد لقيادة الجيش وثقة مطلقة في كونها اللاعب الوحيد في مرحلة ما بعد حرب غزّة الموثوق به دوليًّا. فهل يترجم هذا الدّعم بانتخاب قائد الجيش رئيسًا للجمهوريّة قريبًا؟ أم أنّ الانتظار سيطول أكثر ربطًا بتداعيات الميدان؟

Please follow and like us:
خلفيّات تحرّك الديبلوماسيّة الفرنسيّة
Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp