تطبيق القرارات الدّوليّة عمالة أم وطنيّة؟

تبدو الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة سائبة في عزّ الصراع الذي يستعِر بين إسرائيل، الدّولة العدوّ، ومنظّمة حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينيّة التي تدور كلّها بفلك إيران، صاحبة المشروع التوسّعي؛ أو بإمكاننا القول صاحبة المشروع الاستيطاني الجديد. وذلك انطلاقًا ممّا حدث في سوريا، ولاسيّما في منطقة القصير حيث تمّ تعبئة القرى التي نزح عنها سكّانها بغيرهم من عائلات إيرانيّة فارسيّة صفويّة، أو بعض العائلات اللبنانيّة التي ترتبط بمنظمة حزب الله.

يبقى أنّ الصراع مع العدو الاسرائيلي قد رُسِّمَت حدوده في وثيقة الوفاق الوطني الموقّعة في اتّفاق الطائف والتي نصّت على كيفيّة التعامل مع إسرائيل ولاسيّما في البند الثالث، كالآتي:

• تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي
استعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً تتطلب الآتي :
أ ـ العمل على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة .
ب ـ التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949.
ج ـ اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دوليًّا والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود.

• القرارات الدّوليّة
وفي التوصيف للواقع، بعد الانسحاب الاسرائيلي في 25 أيّار من العام 2000، واستمرار منظمة حزب الله بعملها العسكري تحت ذريعة تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشرقي من قرية الغجر، تحت مسمّى المقاومة. وبعد التصادم مع العدو الاسرائيلي في حرب ضروس في تمّوز من العام 2006. صدر القرار الدّولي 1701 الذي يؤكد في البند الثالث منه على ” أنّه من الضرورة أن تبسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كل الأراضي اللبنانية طبقًا لبنود القرارين 1559 (2004) و1680 (2006) ولبنود اتفاق الطائف ذات الصلة، لممارسة سيادتها بشكل كامل وبما يؤدي إلى عدم وجود أي سلاح بدون موافقة الحكومة اللبنانية وعدم وجود أي سلطة غير تلك التي تمارسها الحكومة اللبنانية.”

كما اكّد في البند الخامس على التمسّك بالحدود اللبنانية ” المعترف بها دولياً كما هو وارد في اتفاقية الهدنة الإسرائيلية اللبنانية الموقعة في 23 آذار/مارس 1949. إضافةً إلى تطبيق اتفاق الطائف بالكامل مع القرارات الدّوليّة ذات الصلة لهذا القرار ولا سيّما القرار 1559 وإقامة منطقة بين الخط الأزرق والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية.

• بين الوطنيّة والعمالة
لم ينس اللبنانيّون بعد مدى تمسّكهك بالقرار 425 طوال 25 سنة حتّى تمّ تطبيقه في نهاية المطاف. فبذلك اعتبر كلّ المتمسّكين بتطبيقه من الوطنيين الأقحاح، فيما الذين تداعوا لرفضه تحت مسميات وحجج مختلفة لم يصنّفوا بالعملاء، ولكن تمّ دعوتهم مئات لا بل آلاف المرات للمطالبة بتطبيقه. لكنّ هؤلاء الذين تكوكبوا في بوتقة إيران الميليشيويّة اتّخذوا من عدم تطبيقه ذريعة لجعل الجنوب أرضًا مفتوحةً، حتّى صار ساحة صراع إقليميّة. حتّى تمّ إسقاط هذه الذريعة في العام 2000، لكنّ التقيّة الفارسيّة التفّت على الواقع الذي استجدّ وحدث ما حدث ليصدر القرار 1701 وينظّم قواعد للإشتباك بين المتناحرين. وتمّ تنصيب منظمة حزب الله ضابط الايقاع في الناحية اللبنانيّة بينما الجيش الاسرائيلي احتفظ لنفسه بعمليّة ضبط منطقته الشماليّة من دون أي شراكة مع أيّ منظمة خارج شرعيّته المؤسّساتيّة.

وهذا ما اعتبره محور إيران وقتذاك قمّة في الوطنيّة حتّى تمّ تكريسها باتّفاق السلام الصامت الذي تمّ توقيعه في النّاقورة في 27 تشرين الأول 2022، وكلّ مَن ينتقده أو ينتقد أيّ موقف للذين يشغّلهم في محوره، يستلّ كلّ مصطلحات العمالة والتّخوين من قواميسه المحنّطة ليلصقها به. فيما الحقيقة باتت واضحة كالشمس، وهم للعمالة خير عنوان، تحت ستار المصالح الوطنيّة والأمميّة وحتّى تلك الإيديولوجيّة – التاريخيّة.

• الازدواجيّة مرفوضة والحقيقة واحدة
لم يعد مقبولاً بعد اليوم التعاطي مع اللبنانيين بهذه الازدواجيّة، حيث عندما يكون الحديث مع الغرب والعدو الاسرائيلي لصالح إيران أو سوريا، يعتبر بطولةً. وعندما يكون الحدبث مع الغرب فقط من دون العدو الاسرائيلي من قبل الفريق السيادي يصبح عمالة وتناهل مصطلحات التخوين. الحقيقة باتت واضحة. لا نريد حربًا في لبنان. والحرب التي تدور رحاها في غزّة، لا تعنينا إلا من النواحي الانسانيّة والأخلاقيّة والحضاريّة فقط لاغير. وعدا ذلك يكون قد تمّزجّ لبنان في هذا الأتّون الذي لن يخرج منه أحد كما كان الدّخول إليه.

فإسرائيل لتحفظ ماء الوجه أمام شعبها، ستستمرّ بعمليّة الإبادة الممنهجة التي تقودها من دون أن تقوم بتنفيذ عمليّة برّيّة واسعة النّطاق. وبذلك تكون قد تجنّبت التهديد الذي أطلقته إيران القائم على معادلة الدّخول إلى غزّة = فتح الجبهات المختلفة.

لكنّ ديبلوماسيّة الحاملات الرّاسية في بحر إسرائيل قد أبطلت عمليّة الابتزاز هذه. ولم يعد بمقدور الإيراني سوى الرّضوخ، لأنّه أـيقن أنّ أيّ تدخّل سيقابله ردّ قاسٍ، ولكن ليس من الاسرائيليّين، بل من الأميركيين وحلفائهم. هذا ما يفضي إلى عودة الايراني لممارسة ديبلوماسيّته الأحبّ، أيّ تلك المقرونة بالتقيّة. فهل تكون أضاحيه سمينة وثمينة كحماس وحزب الله في المرحلة الأولى، والحوثي والحشد في المرحلة الثانية، ليحفظ رأسه؟ أم أنّه سيفجّر المنطقة برمّتها، وعندها مَن يعلم إذ قد نكون أمام ” غزّشيما” 2023؟

Please follow and like us:

تطبيق القرارات الدّوليّة عمالة أم وطنيّة؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp