ماذا بعد الهدنة؟
◦ ممّا لا شكّ فيه أنّ حرب العدو الاسرائيلي على غزّة لن تطوى صفحتها بعد الهدنة. ولكن العالم كلّه يدرك أنّ هم اسرائيل الوحيد من هذه الهدنة كان تحرير العدد الاكبر من رهائنها، لتنصرف بعد ذلك الى متابعة مخططها التدميري الدي تهدف من ورائه الى إرجاع غزة إلى الحاضنة التي تعتبرها شرعية لدى الفلسطينيين؛ أعني هنا منطمة التحرير.
◦ ويبدو من هذه الهدنة أنّ الضغط الدولي سيتركّز على استيعاب حركة حماس سياسيًا، لأن حجم الضحايا الفلسطينيين بات يشكّل اليوم حالة إنسانية لم يعد بالامكان تجاوزها في العالم كلّه.
◦ أمّا إسرائيل نتانياهو فلا فرصة أمامها لاستعادة زخمها السياسي في الداخل والخارج إلّا بإنهاء حركة حماس عسكريًّا. لذلك، يبدو أنّ مرحلة ما بعد الهدنة ستكون أصعب من تلك التي قبلها؛ حيث سيستكمل العدو الاسرائيلي تدميره الممنهج لبنى الدولة التي نجحت حماس في بنائها منذ العام ٢٠٠٦ في قطاع غزّة.
◦ أمّا بالنسبة إلى جبهة الجنوب اللبناني، فلا يبدو أنّ المجتمع الدولي سمح ب “قبّة باط” للإسرائيلي بتوسيع عملياته، للاستفادة من وجود عامل الضغط عبر الاساطيل الراسية في المتوسّط. كذلك نجح المجتمع الدولي أيضًا بالضغط على الجمهورية الاسلامية في إيران عبر استخدامه لمبدأ ديبلوماسية حاملات الطائرات، إذ نجح بدفع ايران إلى كبح جماح منظماتها الجهادية؛ ولاسيّما منظمة حزب الله في لبنان. لذلك حدّ من مفاعيل قدرتها التوسيعية في المواجهة. وتعلم هذه المنظمة بالذات مدى الضرر الذي قد يلحق بها لوجستيًا واستراتيجيًا في حال دخولها في الحرب. وهي تدرك أيضًا بأنّها قد تكون حقّقت للعدو ورقة مجانية ما فتئ يحاول الحصول عليها منذ تاريخ استصدار القرار ١٧٠١؛ وإدراكه كيفية نجاح هذه المنظمة بالالتفاف على تطبيقه.
◦ فالخطورة الكبرى في مرحلة ما بعد الهدنة تكمن في مستويين اثنين:
– المستوى العسكري الذي إن استمرت وتيرته بالتصاعد أكثر فأكثر، فهذا يعني حنمًا ارتفاع الوتيرة الاجرامية في هذه الخرب التي لن تعرف هوادة حتى تحقيق الاهداف المرسومة. وفي هذه الحالة لا يمكن استثناء الدافع الجيو- إقتصادي وما قد ينتج بعده من تغييرات تخدم المشاريع الاستعماريّة الاقتصادية الجديدة. فبنهاية المطاف، مبدأ الاستعمار لا زال موجودًا لكن باختلاف مفاهيمه التطبيقية التي نقلت استراتيجية تطبيقه من وضع الاقتصاد في خدمة العسكر في القرون الماضية، إلى وضع العسكر اليوم في خدمة الاقتصاد.
⁃ أما المستوى الثاني فيكمن في الابعاد السياسية التي شتحملها مرحلة ما بعد الهدنة أولاً، ومن ثمّ مرحلة ما بعد العسكر ثانيًا. وفي الحالتين سيكون الرابح الذي قد ينجح بتقديم تنازلات أكثر خدمةً للمشروع الاتستثماري الجديد للمنطقة. وفي الوضعيّتين السياسيّتين، يُخشى أن تكون الأضاحي الإيرانيّة السمينة والثمينة في المنطقة على حساب القضيتين: الفلسطينيّة واللبنانيّة.
◦ لذلك كلّه على الشعبين الفلسطيني واللبنانيالاستعداد جيّدًا لهذه المرحلة القادمة. فأي خطأ سياسي في هذه المرحلة سيسمح للعدو الاسرائيلي بتحقيق حلمه السرمدي بمحق القضية الفلسطينية، والقضاء على بناء الدولة الحلم. وبذلك، قد ينجح عندها بتطبيق مشروع الإمارات السبع، الذي كتبت عنه مرارًا في مقالاتي السابقة، حيث ستتحول المناطق ذات الوجود الفلسطيني الى مجرّد إمارات تحت إدارة الدولة الاسرائيلية، مع شكل من أشكال الاستقلال الذاتي لهذه الامارات. وهذا تكون إسرائيل قد حققت مشروعها.
◦ أمّا في لبنان، فسيكون اللبنانيون أمام احتمالين سياسيّين اثنين لا ثالث لهما:
⁃ إمّا أن تنجح إيران بتطويعها منظمة حزب الله وإبعادها كليًا عن دائرة الصراع، وهذا برأيي إن نجحت إيران به، قد لا تستطيع الوقوف بوجه المدّ السياسي التغييري القادم؛ لكنّه يبقى احتمالًا مرهونًا بقدرة التقيّة الصفويّة في اللعب علىًالتناقضات الدوليّة.
⁃ والاحتمال الثاني يندرج تحت المظلة التفاوضية الدولية، ويكمن في نجاح اللبنانيين في الدفع نحو تحقيق القرارات الدولية. وبرأيي هذه فرصة إن تمّ تفويتها من قبل حاملي المشروع السيادي، سوف لن يكون لهم مكان في لبنان الجديد الذي سيصبح فقط دولةً مارقة سياديًّا وتنظيميًّا ولكن جامدة لتسمح بمرور المشروع الجيو- إقتصادي الكبير، ومن دون أن تشكّل عليه أيّ أعباء أمنية خطيرة.
أمّا إن نجح الفريق السيادي بالدفع نحو تحقيق القرارات الدولية من ١٥٥٩ و ١٧٠١ وكل القرارات الباقية ذات الصلة، فعندها لن تطول فترة استعادة دور لبنان ك hub استثماري – إقتصادي – سياحي- ثقافي للمنطقة برمّتها؛ لأنّ اليهودي – الصهيوني الذي يحاول سرقة هذا الدور اللبناني، يبقى غير مقبول بشكل جماعي من معظم شعوب المنطقة، حتى لو نجح بالتطبيع مع بعضها.
◦ يبقى أنّه في حال فشل هذه المقاربات كلّها، لن يقبل اللبنانيّون الركون من جديد إلى منطق مستنسخ وممجوج من حكم احتلاي تحت ستار سياسيٍّ؛ والأخطر من ذلك، أنّ هذا المسار السياسي إن تمّ سيكون عقائديًّا يشبه جزءًا من جزء من اللبنانيين. وعندها لن يكون أمام رافضي هذا المشروع، هل يمكن أن يحقّق هؤلاء نوعًا من الانفصال الهادف لتصويب المسار الحضاري؟ أو بأضعف الايمان، هل من الممكن أن يحققوا نوعًا من أنواع الحكم الذاتي شبه المستقل، ليمارسوا فيه حريتهم الحضاريّة وهويّتهم المجتمعيّة؟
ماذا بعد الهدنة؟