شهادة “الكلمة” ستعيد دولة القانون

شهادة "الكلمة" ستعيد دولة القانون

لا يمكن بعد اليوم الاختلاف حول طبيعة البلد الأمنية. فما من عاقل يمكنه أن يصدّق بأنّ الأمن مستتبّ “وماشي الحال”. لا نقولها ومن دون مواربة ” هيك مش ماشي الحال”. فبالأمس تمّ اختطاف وقتل الرّفيق الياس الحصروني ” الحنتوش” منسّق منطقة بنت جبيل في حزب القوات اللبنانيّة، وما جفّت بعد دماء النّاشط السياسي المعارض لقمان سليم.

ما تبقّى من أجهزة في الدّولة حرّة، وهي تملك أعلى الكفاءات التقنية والانسانيّة. ولكن الاشكاليّة لا تكمن في طبيعة التجهيزات التي تملكها هذه الأجهزة بل في القرار السياسي الذي قد يضبط إيقاعها، ويمنعها من القيام بواجبها إلّا ما يتناسب مع طبيعة عمل هذه السلطة السياسيّة المتحكّمة بالدّولة العميقة. وإن تجرّأ أحد هذه الأجهزة على تجاوز هذه الحدود فلنا في مصير بعض القادة الأمنيين الذين تمّ اغتيالهم خير دليل على نظريّة الأمن المافيوقراطي.

عملًا بمبدأ ضبط النّفس، وليس الصبر الاستراتيجي، سننتظر الأجوبة من الأجهزة الأمنيّة. لكن لا يمكن بعد الذي تكرّر أن تكون ردود الفعل هي نفسها. وكي لا يفهم كلامنا خطأ، نحن لا ندعو إلى القيام بالمثل، على قاعدة أنّ الانسان لا يعضّ الكلب إن الكلب عضّه، لكنّه يستطيع لجمه بعقله وقدرته التي تفوق غرائزيّة هذا الحيوان. ومتى أصبح خطرًا على وجود الانسان بحدّ ذاته، فعندها لكلّ حادث حديث، ولكلّ كلب عصاه.

حتى يتمّ الإعلان عن النتائج والدّوافع، التي أدّت إلى اغتيال “الكلمة ” التي جسّدها الرفيق باسكال سليمان قولًا وفعلًا، فمَن يستطيع خطف دولة وقرارها السياسي وقرار الحرب والسلم فيها يبقى هو المتّهم الأوّل بهذه العمليّة حتّى تثبت التحقيقات عكس ذلك. أو على الأقل هو الذي يستطيع توفير الحماية الأمنية لمن قد تسوّله نفسه للقيام بهكذا عمليّة نوعيّة. ولاسيّما بأنّ سليمان تمّت عمليّة خطفه في منطقة معروفة الانتماء السياسي عند تقديمه واجب العزاء لأنّه يؤمن بالشراكة في العيش مع كلّ آخر مختلف كيانيًّا. والاتّهام إن كان سياسيًّا ليس اتّهامًا حضاريًّا؛ أي ما معناه أنّ الفريق السياسي الذي يملك هذه القدرات الأمنيّة والعسكريّة والمخابراتيّة التي تفوق الدّولة أحيانًا، يبقى المتّهم الأوّل حتّى إثبات براءته ودفعه نحو بناء الدّولة السيدة الحرّة المستقلّة. وبالطبع لا يمكن استثناء نظريّة الطوابير الخامسة التي من مصلحتها افتعال الفتنة الداخليّة لأهداف معروفة.

لكن باعتقادنا أنّ هذه الأطراف ليست مرتاحة لهذه الدّرجة لتحاول إغراق لبنان كلّه بهذا النّوع من الحروب، إلا إذا كانت تعتقد بأنّ الإشغال الدّاخلي قد يوقف الإشغال الخارجي. فهي تكون ساذجة ولا تعرف طبيعة الفكر الأيديولوجي لهذه الجماعات التي تقاتل بعيدًا من نظريّة حدود الدّول.

أمام هذه الوقائع كلّها، لن نسمح بتكرار السيناريوهات التي أودت بحياة ” الحنتوش”؛ ومن المفيد في هذا السياق الاعتراف بأنّ ردّ الفعل على تلك الجريمة لم يكن على قدر فاجعتها، لذلك، كرّر الفاعل نفسه فعلته؛ وهذا ما قد يدفع المجرم نفسه أو غيره على تقليده لدوافع مماثلة أو مختلفة.
وهذه السلسلة من الجرائم المتسلسلة كوّنت قناعة دمويّة عند النّاس. فمتى غابت الدّولة وامتنعت عن الاقتصاص من المجرمين تندفع النّاس إلى أخذ حقّها بيديها العاريتين. وهذا ما لا نريده على الأقل كفريق سياسي يؤمن بضرورة وجود الدّولة العاملة بمؤسّساتها. ولكن متى تمّ تعطيل مؤسسات هذه الدّولة حتّى خطفها وقتلها، لا يمكن السكوت عن ذلك، وإلا تحوّلنا جميعنا إلى فرائس سهلة يستساغ خطفها وقتلها في كلّ حين.

سنبقى متمسّكين بتعقّلنا وبحكمتنا كي لا يذهب الوطن كلّه إلى المجهول. ولكن نتائج التحقيقات المرتقبة وحدها كفيلة بمنع سقوط كلّ المحظورات. ولا يلومنّنا أحد على ما قد نقدم عليه للضغط على الدّولة لتصبح دولة، على الأقلّ في المناطق ذات الأغلبيّة التي تؤمن بوجود هذه الدّولة، ولا تريد سواها. ومَن لا يريد هذه الدّولة ولا يقبل بأن يكون تحت سقف القانون والمؤسّسات فيها فلديه مناطقه الخارجة عن سلطة القانون، فليعش حيث يرتاح في اللادولة التي عمل على تثبيتها طوال هذه العقود الأربعة، وليدعنا وشأننا لأنّنا سنبني دولتنا رغمًا عن أنفه ولن نسمح لهؤلاء كلّهم بأن ينقلوا لبنان كلّه إلى فكرهم المزرعاتي الخارج عن القانون.

عمليّة اختطاف واغتيال باسكال سليمان بالشكل الذي حصلت فيه … ستكون شرارة إعلان دولة القانون والخروج من الدّولة الخارجة عن القانون. فلنا دولتنا التي نحترم ونحتكم إلى قوانينها، ولهم مزرعتهم الخارجة عن القانون، وغدًا لناظره بات قريبًا جدًّا.

Please follow and like us:
شهادة “الكلمة” ستعيد دولة القانون
Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp