من الصمود المجتمعي إلى الثورة الشعبيّة فالتحرّر السياسي

يترقّب اللبنانيّون يومًا بعد يوم زيارات الموفدين الدّوليّين متأمّلين أن يحملوا  معهم حلّاً للأزمة اللبنانيّة. هذه الأزمة التي فرضها التزام محور الممانعة حتّى جفاف البحر بأجندة وليّه الايراني. فهذا المشروع الذي يحمله هذا المحور لا يمكن أن ينتصر لأنّه لا يشبه اللبنانيّين بشيء. برغم أنّه يشبه مَن استطاع هذا المحور اختطافهم إيديولوجيًّا طوال هذه العقود الأربعة. فهل سيستطيع هذا المحور قنص فرصة اللعب على التناقضات الدّوليّة ليحكم سيطرته على لبنان الساحة كما تريده الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران؟

بعد الاجتماع الذي عقد في  المملكة العربيّة السعوديّة والذي ضمّ لودريان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وأيضاً اجتماعه بالمستشار نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري، ولا سيما بعد الانعطافة الفرنسية وعودة باريس إلى تفاهم الخماسية، إضافةً إلى تصريح السفير السعودي في بيروت في  اليوم الوطني للمملكة، عاد الملفّ الرئاسي إلى قلب لبنان، لكنّ الذي سيستجدّ هو الخيار الثالث.  مع العلم أنّ المعارضة اللبنانيّة سبق وذهبت إلى هذا الخيار بتقاطعها على المرشّح جهاد أزعور بعدما وجدت أنهّا غير قادرة على انتخاب مرشّحها النائب  ميشال معوّض، وفي ظلّ ميزان قوى نيابي يمنع عليها وعلى الممانعة انتخاب مرشّحها، أي  الوزير سليمان  فرنجيّ

وفي هذا السياق وردت تسريبات صحفيّة تحيّد اسم قائد الجيش، إلا أنّه يبقى حتّى الساعة المرشّح الذي يتمتّع بالقدر الأكبر  من الامكانات التي قد تساعده في الدّخول إلى بعبدا. مع إعادة طرح اسم الوزير زياد بارود، والنائب نعمت فرام، وأضيف  على هذه اللائحة العميد الياس البيسري المدير  العام للأمن العام.

أمام هذه الوقائع التي استجدّت انكشفت أكثر نوايا دويتّو الحكم، أي  المنظومة والمنظّمة، الذي لا يريد لأيّ شكل  من أشكال الدّولة أن يعيش. فهذا الفريق لا يوفّر أيّ فرصة ليعطّل المسار الديمقراطي الحقيقي ممارسًا الدّيمقراطيّة التعطيليّة التي برع  فيها منذ العام 2008. وبعدما نجحت المعارضة اللبنانيّة بإسقاط  أرنب  الحوار الذي سحبه دولة الرئيس برّي، باتت الممانعة في عنق الزجاجة. ما دفع الرئيس برّي برمي الاتّهامات في  التعطيل على الموارنة بالتحديد. لكأنّ مفتاح المجلس النيابي في يد الموارنة أنفسهم، أو لكأنّ النوّاب السياديّين هم الذين ينسحبون من الدّورة الثانية في الجلسة الانتخابيّة. فليحترم دولته عقول النّاس.

لقد صار واضحًا أنّ الممانعة تسعى لتسييل أي تنازل قد تقدّمه في الساحة اللبنانيّة لحساب ربيبتها إيران. وذلك لأنّ أميركا الديمقراطيّة تحاول إعادة غحياء الاتّفاق النووي مع إيران. فيما الذي استجدّ في الساحة الدّوليّة هو المسار التطبيعي الذي سلكته المحادثات السعوديّة الايرانيّة. يضاف إلى ذلك الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للسعودية، ثم زيارة وفد الحوثيين للرياض، إلا أن غارات الطائرات المسيرة للحوثيين على الأراضي السعودية يمكن أن تعقّد كل هذا الملف.

ولكن لا يمكن القفز فوق لصراع الجمهوري – الديمقراطي داخل الولايات المتّحدة على أعتاب  الانتخابات الرئاسيّة، وهذا ما يوجد فرضيّة الضغط من قبل الجمهوريّين على وزير الأمن القومي الإسرائيلي، ورئيس حزب “عوتسما يهودت”   اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، ليسحب حزبه وحزبا يمينيا متطرفا آخر من الائتلاف الحكومي، إذا تم تقديم مثل تنازلات اسرائيلية لفلسطين، في حال التطبيع مع المملكة العربية السعودية. وقالت مصادر مقربة من بن غفير، إنه لا ينوي السماح بأي مساس بما وصفه “السيادة الإسرائيلية “وأنّه في حال بدء الحديث عن تنازلات كهذه، قد تجري محادثات مع بني غانتس لضمه الى صفوف حكومة نتانياهو. ما يعني عمليًّا تعثّر جديد قد يطرأ على هذا الخطّ.

وأمام بدء تلميحات لودريان إلى إمكان تخلي المجتمع الدولي عن جهوده في لبنان، لأنّ دول الخماسية وغيرها تعبت من بذل المساعي فيه بلا نتيجة، لأنّ الحزب متمسّك بفرنجيّة حتّى جفاف البحر، ودولة الرئيس برّي لا يتوانى باتّهام الموارنة بسبب نجاح المعارضة بإسقاط حواره السورّيالي، يترقّب اللبنانيّون زيارة وزير الدولة القطري محمد الخليفي قريبًا لمواصلة الجهود الرامية إلى إنهاء المأزق السياسي اللبناني، الذي سبقه الموفد جاسم بن فهد آل ثاني الذي حضّر الأرضية المناسبة.

وأمام الافلاس العسكري بعد توقيع اتّفاق السلام الصامت في الناقورة بوساطة أميركيّة في 27 تشرين الأوّل 2022، والافلاس الإيديولوجي بعد توقيع اتّفاق بكين بين السعوديّة وإيران في 10 آذار ٢٠٢٣، والسياسيّ بعد الانكسار في جلسة 14 حزيران 2023 أمام المعارضة اللبنانيّة، وعدم قدرته على استكمال سيطرته السياسيّة على الدّولة اللبنانيّة برمّتها؛ وبعد سقوط اتّهامه لمعارضيه السنة بالداعشيّة، والمسيحيّين بالعمالة، والشيعة الخارجين عن عباءته بشيعة السفارات، يبدو أنّ هذين الشهرين سيكونان الأقسى إذ أيّ عقوبات قد تفرض، لن تؤثّر على الممانعة التي تتمتّع باقتصاد أقلّه 40 مليون دولارًا تجنيها من التهريب  والتهرّب وتجارة الكابتاغون. لكنّ ذلك سينعكس انهيارًا على اللبنانيّين كلّهم نتيجة لتشدّد منظمة حزب الله أكثر بسبب مراهناتها على التطورات الأميركيّة – الايرانيّة.

 وبرغم الدور المقبل للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، المساعِد للدور القطري الذي يحظى بالحشد الدولي والقبول اللبناني، لا يبدو أنّ هنالك أيّ أمل بالانفراجات، ولا يبدو أنّ منظمة حزب الله ومحورها ستكون قادرة على قنص فرصة اللعب على التناقضات الدّوليّة، لأنّ المجتمع الدّولي لا يستطيع تحمّل المزيد من المناطق  الساخنة في  العالم. يبقى أنّ اتّجاه مسار المعارضة هو الصحيح، ولكنّه شائك جدًّا. المطلوب صمود مجتمعي، وثورة شعبيّة للتصدّي لمشاريع تغيير الهويّة اللبنانيّة، وأهمّها قضيّة الاحتلال السوري الجديد تحت ستار النّزوح والهجرة غير  الشرعيّة للوصول إلى التحرّر السياسي. ولا بدّ واصلون.

Please follow and like us:

من الصمود المجتمعي إلى الثورة الشعبيّة فالتحرّر السياسي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to top
Follow by Email
LinkedIn
Share
WhatsApp